الذكريات رصاصةٌ طائشةٌ، قد تقتلك وأنت غيرُ مستعدٍّ لبقعة دم كبيرة تحيط بك مُلقىً على فراش الحنين،والحنين داءُ الحبّ العُضال،ولم ينجُ أحدٌ من هذا الداء، ورصاصةُ الذكريات قد لا تُحدثُ إلا ضجيجًا يمر قريبًا من أُذنٍ تتشهّى سماعَ أخبارٍ تُوهمُ نفسَها بأنها أخبارٌ سارةٌ مُبهجةٌ وهي في الحقيقة ليست كذلك..
وفي ذاكرتي رصاصة هي أسوأ رصاصة اختُرعت حيث إنني كنتُ ذات يوم أعمل أنا و أبي الشيخُ الكبيرُ في ترميم واجهة منزلنا سبعة أيامٍ متتالية ...ثم أتتْ أكثرُ من ألف رصاصةٍ من رصاص العدو أفســدَتْ كُــلَّ شيء ...
ما جزِعْنا وما وَهنتْ قُوانا ... وازدادَ أبي صبرًا وعَـزمًا ...
وكنتُ كلما تعبتُ حثني أبي قائلاً :
" هيا يا بنيّ فبيتٌ تسكنه أمُّك لا يليق به أن يكون مُشوَّهًا " فنمضي في عملنا بجدّ وهمّة...
كان أبي في الصبر والصّمود جبلاً ولم تُضعِف الألفُ رصاصة هذه إرادتَه.
لكن لم يُفتت جبلَ صمودِهِ غير رصاصة واحدة من تلك الألف سوى واحدة.
إنها تلك الرصاصة اللعينة التي اخترقت الجدارَ واستـقــرَتْ في صدرِ أُمِّـي.