على الرغم من نموّ كلّ من صناعة البودكاست وإيراداتها، إلا أنّ هذا المجال ما يزال ذو مردود ضعيف للأموال، وتعتمد أبرز الأرباح على مصدرين هما تبرّعات المستمعين وعوائد الإعلانات. وكلّ منهما شحيح، ويعود السبب الرئيس في شحّ مردود الإعلانات إلى أنّ منصّة Apple المهيمنة على هذا القطّاع لا توفّر وسيلة اتّصال للعلامات التجارية. ويبقى الطريق الأفضل هو رعاية البرامج والتي يُحدّد سعرها بناءً على عدد مرّات الاستماع (أو التحميل)، والتي بدورها ضبابيّة بسبب إمكانية الاستماع دون الاتّصال.
التبرعات
أمّا التبرّعات فهي طريق صعب وطويل، وهو يجذب بصفة خاصّة متابعي المسلسلات التي قد يصل عدد مرّات مشاهدة إحدى حلقاتها إلى خمسة ملايين مشاهدة، لكن تبرز صعوبة أخرى هنا، وهي أنّ عمليّات التبرّع تلزم وجود طرف ثالث أي إنّها تجري خارج منصّات البثّ على منصّات مختصّة بجمع التبرّعات يستعملها أيضًا مستخدمو يوتيوب مثل منصّة باتريون، إضافةً إلى الحرج الذي يعتري المنتجين الذين يجدون أنفسهم مضطّرين لطلب الأموال من الداعمين في كل فرصة بدءًا من شارة البداية وخلال الفواصل وصولًا لشارة النهاية.
المحتوى المخصّص
بسبب هذه التحدّيات برزت طريقة أخرى لتحقيق الدخل، وهي إنشاء المحتوى ذي العلامة التجاريّة، وتتميّز هذه الطريقة عن الطريقة التقليدية التي تبدأ ببثّ المحتوى في البداية وعندما تصل لعدد معيّن من الجمهور تستثمر القاعدة الجماهيريّة في بثّ الإعلانات، أنّ هذه الطريقة تحصل على التمويل من إحدى العلامات التجارية قبل إنشاء المحتوى، ودون الحاجة للوصول إلى حجم معيّن من الاستماع، حيث تقوم الشركات الكبيرة بإنشاء محتوى متخصّص في مجال أعمالها مثل شركة Katerra المتخصّصة في الإنشاءات والبناء التي تعاونت مع شركة بودكاست لإنتاج برنامج تثقيفي بعنوان "مستقبل المدن".
تجدر الإشارة إلى أنّ هذه الطريقة تختلف عن "الرعاية" حيث تتميّز الرعاية بأنّها لا تتدخّل في المحتوى، ويقتصر الأمر على ذكر اسم الشركة الراعية في كلّ الإعلانات والعروض التقديمية للبرنامج وكذلك في مقدّمته وخاتمته، أمّا المحتوى المخصّص للعلامة التجارية فهو يحمل قيمة ثقافية مميّزة وخاصّة بالعلامة التجارية، تهدف بشكلٍ رئيس لزيادة الوعي بها، أو بالقيمة المضافة التي تقدّمها لعملائها، مثل شركة تعبئة مياه معقّمة تنتج برنامجًا للتوعية بمخاطر تلوّث الماء وهدره، ومخاطر الاحتباس الحراري وذوبان جليد القطبين وطرق التعقيم الخ بحيث يمكن للناس تداول هذه البرامج لقيمتها المعرفية.
الاشتراك المدفوع
المصدر الأحدث للأرباح من البودكاست هو الاشتراكات المدفوعة، وأشهر مثال على ذلك Luminary Media التي تعدّ نفسها نيتفليكس الصوت، حيث يحصل العضو مقابل 8 دولارات شهريًا على قائمة تضمّ 40 بثّ إذاعي حصري.
أمّا في الصين تقدّم Ximalaya اشتراكًا بقيمة 3 دولارات شهريًا يمكّن المستخدم من الوصول إلى 4000 كتاب إلكتروني و300 دورة صوتية بالإضافة لإمكانية توفير المحتوى الصوتي حسب الطلب.
ويبدو أنّ هذه الطريقة هي الأكثر قبولًا لدى المنتجين والأكثر راحةً، كما أنّها تجنّب المستمعين الاستماع للإعلانات التي قد تكون مزعجة في بعض الأحيان لكثرة تكرارها، لكن يتوجّب عليهم في هذه الحالة إنتاج المزيد من المحتوى الحصري وعالي الجودة كما تفعل شركات توزيع الأفلام والمسلسلات كديزني ونتفلكس، وبمناسبة ذكر هؤلاء تبرز أمامنا مشكلة لغة المحتوى، حيث إنّ المحتوى المرئي يحمل الترجمة للعديد من اللغات، بينما لا يمكن ترجمة محتوى البودكاست، ممّا يخلق تحدٍ جديد يتمثّل بضرورة تنويع لغة المحتوى من أجل زيادة الوصول، بعبارة أخرى مضاعفة تكاليف الإنتاج.
عقود الإنتاج الخارجية
الطريقة الأخيرة وهي طريقة فعالة جدًا في الربح من البودكاست وهي إنتاج عقود إنتاج البودكاست، أي سواء كنت فردًا أو مؤسسة فإنّك تنتج بين الحين والآخر برنامجًا وتنشره بشكلٍ مجاني بحيث يكون بمثابة معرض أعمال، أو عيّنة من الأعمال، تجذب المؤسسات الإعلامية أو شركات الرعاية أو شركات تودّ زيادة الوعي بعلامتها التجارية، فتتعاقد معك على الإنتاج.