فِي قَلْبِ الْغَابَاتِ الْاِسْتِوَائِيَّةِ، يَعِيشُ نَوْعٌ مِنَ النَّمْلِ لَا يُشْبِهُ غَيْرَهُ فِي عَالَمِ الْحَشَرَاتِ (إِنَّهُ نَمْلُ الرَّأْسِ السَّدَّادَةِ)، كَائِنَاتٌ صَغِيرَةُ الْحَجْمِ، تَحْمِلُ عَلَى عَاتِقِهَا مُهِمَّةً دِفَاعِيَّةً خَارِقَةً بِرَأْسِهَا فَقَطْ! نَعَمْ، كَمَا لَوْ أَنَّنَا فِي عَالَمٍ مِنَ الْخَيَالِ الْعِلْمِيِّ، وُلِدَ بَعْضُ جُنُودِ هَذِهِ الْمُسْتَعْمَرَةِ بِرُؤُوسٍ ضَخْمَةٍ وَمُفَلْطَحَةٍ عَلَى شَكْلِ قُرْصٍ صُلْبٍ، صَمَّمَتْهَا الطَّبِيعَةُ خِصِّيصًا لِأَدَاءِ وَظِيفَةٍ وَاحِدَةٍ: أَنْ تَكُونَ بَابًا حَيًّا! حِينَ تَسْتَشْعِرُ الْمُسْتَعْمَرَةُ خَطَرًا يَقْتَرِبُ سَوَاءٌ أَكَانَ نَمْلَةً دَخِيلَةً، أَمْ مُفْتَرِسَةً، أَوْ حَتَّى فُضُولَ إِنْسَانٍ عَابِرٍ تَهْرَعُ نَمْلَةُ السَّدَّادَةِ إِلَى مَدْخَلِ الْجُحْرِ، وَتَغْرِسُ رَأْسَهَا فِيهِ بِإِحْكَامٍ فَيَبْدُو الْمَدْخَلُ مِنَ الْخَارِجِ كَأَنَّهُ مَسْدُودٌ تَمَامًا، بِلَا فَتْحَةٍ وَلَا مَمَرٍّ إِنَّهُ مِثَالٌ مُذْهِلٌ آخَرُ عَلَى إِبْدَاعِ خَلْقِ اللهِ فِي الطَّبِيعَةِ حَيْثُ يُمْكِنُ لِرَأْسٍ وَاحِدٍ صَغِيرٍ أَنْ يَكُونَ خَطَّ الدِّفَاعِ الْأَوَّلَ وَالْأَخِيرَ عَنْ مَمْلَكَةٍ كَامِلَةٍ