تلاقت عينا جثتين لأول مرة، لافرق بينهما سوى أن الأولى مازالت _اسميًّا على الأقل_ في عِداد الأحياء أما الأخرى فغدت جثةً هامدةً لا تمتّ للجثث بصِلة، لدرجة لا يخيّل لك أن كانت في يوم من الأيام كائنًا يقوم بنشاطاته الفيزيولوجية والحياتية قطعٌ خشبيةٌ مركونة على كل طاولةٍ على حدى، مشارٌ في كلٍّ منها على معلمٍ تشريحي بدبوس صغير مع سؤال يسبب هجمةً من فقد الذاكرة من هول صعوبته تتعالى صرخات الزملاء لك وين الدبوس ماعم شوفو وسط زهدٍ لا متناهٍ وهبتني إيّاه روحي لأخفف من روعتي وصلت لذلك السؤال الذي لم أدرك معناه فأجبت عليه بجواب لن يُدرك مغزاه، فالمعاملة بالمثل أركض بين طاولةٍ وأخرى كلما تدق السّاعة كالذئب الذي ينقض على فريسته عسى أن أستطيع الإجابة عن المحضر التالي ليُخَفف عني ذلك العذاب عذاب الضمير لأنني درست بجدٍّ هذه المرة كسابقتها دون أن أتّعظ وصلت للمحطة الأخيرة التي لم أُقابل في نهايتها سوى بيلا هاتي ورقتك ولبرا والتي لم يفسرها عقلي سوى بمرحبًا بكِ في عالم الأحياء مرّةً أخرى خرجت من تلك المحكمة وتستملكني سعادةٌ مفرطةٌ، لسطوة الحيرة والاستغراب على هالة مشاعري حفظت مصطلحات كثيرة لم أكن بحاجتها أسئلةٌ لا أدري إن كانوا يأتون بها من زحل أم من المشتري أترقّب من حولي لأجد كلّ طالبٍ يجرّ برأس صديقه إليه ليشكو له ما عانى من آهات نفثها داخل ذلك السجن تنحّيت جانبًا وألقيت مافي رأسي من حمولٍ أثقلت كاهله، و من رائحة الفورمول التي خدشت تلافيفه الرقيقة التي لم يستطع تمييزها عن بعضها حين كان في الداخل