مرّ الوقت ببطءٍ لا يُرى، كأنه كان يتمشّى على أطراف الذاكرة، حافيًا من الضجيج لم يكن في الغرفة سوى كرسيّ خشبيّ، ونافذة نصف مفتوحة، والهواء كأنّه يهمس بشيء، لكن لا أحد يُصغي كل شيء كان ساكنًا، إلا تلك الأفكار التي تتسلل من صمتها بهدوء، تجلس بجانبها كأنها أصدقاء قدامى، لا يحتاجون إلى كلام على الطاولة، كوب ماء نُسي نصفه، ومنديل ورقي مطويّ بعناية، وعطرٌ خفيف ما زال عالقًا في الأركان، رائحة لا تُعرف، لكنّها مألوفة، تشبه حضورًا غائبًا كانت تنظر إلى لا شيء، لكنّ عينيها كانتا تملآن المكان بالحكايات، كل تفصيلة، كل ظلّ، له قصة صغيرة في ذهنها، قصص لا تُقال، فقط تُحَس لم تكن تنتظر شيئًا، لكنها كانت تراقب اللحظة كأنها ثمينة، كأنها تعرف أنها ستمرّ ولن تعود بنفس الشكل وراء تلك النافذة، كانت أوراق الشجر تتمايل بخجل، كما لو أنها تشاركها هذا السكون السماء لم تكن زرقاء، ولا رمادية، كانت بلونٍ لا يمكن تسميته، لون يشبه المشاعر حين تختلط ولا تجد لها عنوانًا بين وقت وآخر، كانت تغمض عينيها للحظة، ثم تفتحهما بهدوء، وكأنها تقول للوقت: أنا هنا، لا تتعجل الكتاب القديم لا يزال مفتوحًا على الصفحة ذاتها، الكلمات تتسلل منها وتعود إليها كأنها تُعيد سرد نفسها، لا رغبة في نهاية، ولا حاجة لبداية