لمّا اقتربت لحظةُ رَحيلِ آدمَ عليهِ السلام جمع أبناءَه من حولِهِ ووصّاهم بوصيّةِ الأنبياءِ أن اعبدوا اللهَ وحدَهُ لا شريكَ له واثبُتوا على الحقِّ واجتنبوا خطواتِ الشيطانِ ثم التفتَ إلى ولدِهِ الصالحِ شِيثٍ وجعلَهُ وصيَّهُ في الأرضِ بعدَهُ كان شيثٌ أعبدَ أبنائِهِ وأعلمَهُم وأقربَهم إلى اللهِ فما إن دفنَ أباهُ آدمَ حتى حمل الأمانة وبدأتْ مهمتُهُ شِيثٌ عليهِ السلام كان نبيًّا أنزل اللهُ عليهِ خمسينَ صحيفةً وعلّمهُ ما لم يكنْ يعلم بدأ يُعلّمُ الناسَ شريعةَ ربهم وأقام أحكامَ الدين وكان أولَ من نظّم القبائلَ وجعلَ لكلّ قومٍ قائدًا وأولَ من فرّق بين أهلِ الطاعةِ والمعصيةِ فسكنَ هو وذريتُهُ الجِبالَ حيثُ الهواءُ الطيّبُ والطبيعةُ النقيّةُ هناك عاشَ القومُ المؤمنون قومٌ طاهرون تقيّون يعبدون اللهَ ويذكرونهُ صباحَ مساء وإذا رأوا منكرًا أنكروه وإذا فترتِ القلوبُ جددوها بالتسبيحِ والصلاةِ لكن في السهولِ البعيدةِ سكنتْ ذرّيَةُ قابيلَ وكانتْ الفتنةُ! قومُ قابيلَ ما كانوا مشركين لكنّهم فَسَقوا وفَجروا تركوا وصيّةَ أبيهم واتّبعوا الشهوات فانتشرَ فيهم الظّلمُ وشربُ الخمرِ والغناءُ والتبرّجُ وكانوا يُجاهرونَ بالمعاصي لا يستترون منها بل تباَهوا بالفاحشةِ واستَحسنوا المنكرَ! وهنا بدأَ الاختبارُ الكبيرُ إبليسُ كان يراقبُ وجدَ في قومِ قابيلَ بيئةً مناسبةً فبدأ خطّتَهُ الخبيثةَ أولُ ما فعلهُ زيَّن للنساءِ التبرّجَ فأخرَجْنَ مفاتِنَهُنَّ وتزيَّنّ بالغناءِ والرّقصِ ثم أتى بعضُ شبابِ الجبالِ من قومِ شِيثٍ فرأوا من نساءِ قابيلَ ما لم يعهدوه فبدأ الإعجابُ ثم الاختلاطُ ثم انكسرتِ الحواجزُ ومن هنا بدأتْ المعاصي تنتشرُ شيئًا فشيئًا شِيثٌ عليه السلام شدَّدَ على قومِهِ وحذّرهم مرارًا لكن الفتنةَ إذا فُتحتْ أبوابُها صَعُب إغلاقُها! واستمرَّ شِيثٌ في دعوتِهِ يذكّرُهم بوصيّةِ آدمَ ويجاهدُ في إحياءِ الإيمانِ لكنّ الزمانَ طال والنفوسَ ضعفتْ وكثُرَ الفسادُ فأرسل اللهُ بعدهُ نبيًّا جديدًا من نسلِه اسمهُ: إدريسُ عليه السلامُ إدريسُ كان نبيًّا حكيمًا عالمًا عابدًا محبًّا للعملِ والعبادةِ كان أولَ من خطّ بالقلمِ وأولَ من خاطَ الثيابَ وأولَ من نظرَ في النجومِ بعلمٍ من اللهِ أنزل اللهُ عليهِ ثلاثينَ صحيفةً فجدّد بها الدعوةَ وأحيا بها القلوبَ وكان لا يكتفي بالنصيحةِ بل كان يجاهدُ في سبيلِ اللهِ يُعدُّ الرجالَ ويُقاتلُ الفسادَ ويُقيمُ حدودَ الدينِ ولما طغى الفسادُ في بابلَ هاجرَ بإيمانِه ومن معهُ إلى مصرَ وهناكَ أسّس مجتمعًا إيمانيًّا بناهُ على الطهارةِ والعلمِ والعبادةِ وكان إذا وعظَ الناسَ بكتِ القلوبُ وإذا تلا عليهم كلامَ اللهِ خشعتِ الأبصارُ حتى إذا أكملَ رسالتهُ رفعَهُ اللهُ تكريمًا له وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا وقد أخبرنا نبيّنا محمدٌ أنّهُ رأى إدريسَ في السماءِ الرابعةِ ليلةَ المعراجِ قال: من أنت؟ قال: أنا إدريسُ قال: مرحبًا بالنبيّ الصالحِ والأخِ الصالحِ هكذا ختم اللهُ عهدَ إدريسَ برفعةٍ إلى السماءِ نبيٌّ فريدٌ عالمٌ مجاهدٌ خاشعٌ رحل عن الأرضِ وتركها بين نورِ الإيمانِ وظُلمةِ الفتنةِ لكن الفتنةَ لم تنتهِ والشركُ كان على الأبوابِ فمن هو النبيّ القادمُ؟! وكيف بدأت عبادةُ الأصنامِ؟! هذا ما سنرويهِ في الحلقة القادمة