فِي أَعْماقِ الأَرْضِ، وَتَحْتَ رُكامِ القُرُونِ، تَتَناثَرُ شَواهِدُ الحَضاراتِ الَّتي ازْدَهَرَتْ ثُمَّ انْدَثَرَتْ حَضاراتٌ بَنَتِ المَعابِدَ، وَرَفَعَتِ المَسَلّاتِ، وَسَجَّلَتْ تاريخَها عَلَى الحَجَرِ وَالطِّينِ، وَكَأَنَّها كانَتْ تَعْلَمُ أَنَّ الزَّمَنَ لا يَرْحَمُ الذَّاكِرَةَ مِنْ وادي الرّافِدَيْنِ إِلى ضِفافِ النِّيلِ، مِنْ أَطْلالِ تَدْمُرَ إِلى مَدائِنَ صالِحٍ تَحْكِي الأَرْضُ حِكاياتِ الشُّعُوبِ الَّتي مَرَّتْ مِنْ هُنا، وَتَرَكَتْ بَصْمَتَها فِي العِمارَةِ، وَاللُّغَةِ، وَالأُسْطُورَةِ فِي هذَا الوَثائِقِيِّ، لَسْنَا مُجَرَّدَ رُواةٍ بَلْ شُهُودٌ عَلَى تَارِيخٍ ما زالَ يَنْبِضُ فِي كُلِّ أَثَرٍ، وَكُلِّ نَقْشٍ، وَكُلِّ صَمْتٍ عَميقٍ يَحْمِلُهُ الهَوَاءُ بَيْنَ جُدْرانِ المَعابِدِ المَهْجُورَةِ