دوحة الجبل وارتقى زارا ذات مساء الربوة المشرفة على مدينة البقرة الملونة فالتقى هنالك فتًى كان يلحظ فيما مضى صدوده عنه، وكان هذا الفتى جالسًا إلى جذع دوحة يرسل إلى الوادي نظراتٍ ملؤها الأسى، فتقدم زارا وطوَّق الدوحة بذراعيه وقال: لو أنني أردت هزَّ هذه الدوحة بيدي لما تمكنت، غير أن الريح الخفية عن أعيننا تهزها وتلويها كما تشاء هكذا نحن تلوينا وتهزُّنا أيادٍ لا تُرى فنهض الفتى مذعورًا وقال: هذا زارا يتكلم! وقد كنت موجهًا أفكاري إليه، فقال زارا: ما يخيفك يا هذا؟ أليس للإنسان وللدوحة حالة واحدة؟ فكلما سما الإنسان إلى الأعالي، إلى مطالع النور تذهب أصوله غائرة في أعماق الأرض، في الظلمات والمهاوي فصاح الفتى: أجل! إننا نغور في الشرور، ولكن كيف تسنَّى لك أن تكشف خفايا نفسي؟ فابتسم زارا وقال: إن من النفوس من لا نتوصل إلى اكتشافها إلا باختراعها اختراعًا وعاد الفتى يكرر قوله: أجل إننا نغور في الشرور