بعبارة أخرى فإنّ البودكاست يشبه الراديو لكنّه بالنسبة للراديو كمحتوى الفيديو المنشور على الإنترنت بالنسبة للتلفزيون، أمّا منصّة البودكاست الواحدة (مثل منصة آبل) فهي مثل موقع (يوتيوب)، وقنوات البودكاست التي تستضيفها منصّة آبل للبودكاست مثل قنوات اليوتويب.
وبالتالي فإنّ ما نعرفه عن محتوى الفيديو من حيث تنوّعه وشموليته ينطبق بشكلٍ ما على البودكاست، مع أفضليّة صغيرة للبودكاست تتمثّل في سهولة استخدامه من حيث التأليف والإبداع والبثّ حيث لا يتطلّب عمليّات المونتاج والجرافيكس المعتادة في الفيديو وكذلك من حيث التلقّي والاستماع باعتبار أنّه لا يلزم التحديق في الشاشة طوال الوقت، بالطبع هناك ميزات موجودة في الفيديو سيفتقدها البودكاست كإمكانية إرفاق الترجمة والتوضيحات بالصور والمخططات البيانية.
منصات البودكاست وطريقة الاستماع
رغم أنّ ملفات البودكاست كانت متاحةً على متجر iTunes منذ 2005 إلا أنّه لم تتفوّق الأجهزة الذكية على أجهزة الكومبيوتر إلا بعد إصدار Apple لتطبيقها podcast في عام 2012 حتى أصبحت الطريقة الرئيسية التي يفضّل المستمعون استخدامها، إلى أنْ أتت مساعدات الصوت الذكية التي تزايد استخدامها بنسبة 70%.
رغم ذلك من المفاجئ أنّ نصف الاستماع للبودكاست يتمّ في المنزل، والنصف الثاني تتقاسمه بقية الأوقات كالعمل والسيارة والرياضة.
كان لـ Apple Podcasts الدور الرئيس في تطوير صناعة البودكاست لأنّها كانت المنصّة الرئيسيّة والوحيدة تقريبًا لعدّة سنوات، وبدأت تفقد أجزاءً من حصتها من السوق بعد دخول جوجل إلى هذا السوق عندما أطلقت منصتها Google Podcasts العام الماضي، وكذلك بعد تنبّه العديد من منتجي ومستضيفي الصوت الكبار إلى أهمية البودكاست مثل سبوتيفاي وساوندكلاود وغيرهما حيث سيطرت هذه الشركات على أكثر من ربع السوق.
الفروق البارزة بين منصّات البودكاست
يمكن تصنيف المنصّات إلى ثلاث فئات:
الفئة الأولى تنفرد بها منصة آبل، وتتميّز بأنّها منصّبة بشكل افتراضي على جميع أجهزة آبل، وهذا ما يجعل 900 مليون مستخدم على بعد نقرة واحدة من الوصول إلى البودكاست، رغم ذلك فإنّ آبل لا تستفيد ماديًا من كلّ هذا العدد من المستخدمين لأنّ عوائد الإعلانات تذهب إلى منتجي البودكاست وليس للمنصّة التي لا توفّر طريقة للربح لا عن طريق الإعلانات ولا عن طريق مشاركة صناع الحتوى.
الفئة الثانية تضمّ الشركات العملاقة في مجالات أخرى ودخلت متأخرةً أو تحاول الدخول والاستفادة من هذا السوق الواعد، مثل جوجل و Spotify و Pandora مستفيدةً من جماهيريتها السابقة التي بنتها بسبب منتجات أخرى.
الفئة الثالثة تضمّ الشركات الناشئة والتي تحاول قضم جزء من الكعكة عبر تقديمها ميّزات أكبر ضمن التطبيقات وتحسين خدماتها، باعتبار أنّ الكبار في هذا المجال يشتركون في صفة واحدة واحدة هي أنّ تطبيقاتهم لا تشمل الكثير من الميزات أو الخيارات التي قد تجعل استخدام تطبيق البودكاست أكثر سهولة أو أكثر تخصيص من حيث تفضيلات المستخدم، وقد قدّم بعضها محفّزات كبيرة تتمثّل في مشاركة صنّاع المحتوى بالأرباح التي يمكن أن يجنوها من إنشاء المحتوى الحصري.
سوق البودكاست العربي
أجرى موقع "البودكاست العربي" استطلاعًا شاملًا، في عام 2019 وصل في نهايته إلى معلومات مهمّة في مجال البودكاست، أبرزها:
1. تستحوذ السعودية على حصّة الأسد من مستمعي البودكاست بأكثر من النصف.
2. الغالبية العظمى من المستمعين هم في الفئة العمرية 18-34 سنة، ويشكل الطلاب والموظّفون غالبيتهم.
3. أكثر من 80% من المستمعين حاصلون على درجة جامعية.
4. يستمع غالبية الناس للبودكاست في المواصلات وفي العمل، بمعدل خمس ساعات أسبوعيًا.
5. يفضّل معظم المستمعين اللغة العربية ويأتي بعدها الإنكليزية، كما يفضلون البرامج التي تُبثّ بشكلٍ أسبوعي، وباتوا أكثر صبرًا حيث يفضلون المحتوى الطويل بمعدل 40 دقيقة للحلقة الواحدة.
بالنظر إلى المعلومات السابقة وربطها بما لدينا من بيانات يمكننا تحديد معالم السوق العربية بدقّة أكبر.
تتركّز صناعة البودكاست باللغة العربية في المملكة العربية السعودية وهذا ما توافق مع عدة معطيات، حيث شكّل السعوديون النسبة الأكبر من المشاركين في استطلاع موقع البودكاست العربي، وكانت اللهجة السعودية هي اللهجة الأكثر طلبًا للتعليق على منصة سونديلز في الأعوام السابقة، وكذلك فإنّ أكبر عدد من منتجي البودكاست الهواة كان من السعودية.
بالمقابل فإنّ الإمارات العربية المتحدة هي مركز إنتاج البودكاست العربي الناطق باللغة الإنكليزية بسبب طبيعة الأعمال والسكان في الإمارات.
إذا كانت صناعة البودكاست العالمية في مرحلة الطفولة فإنّ صناعة البودكاست العربية ما زالت في مرحلة الجنين، فالإنتاج العربي ما زال خجولًا للغاية، حيث ينشط الآن 428 برنامجًا فقط أي بمعدّل برنامج واحد لكلّ مليون مواطن عربي.
ولو أردنا تقييم الوضع بالنسبة لمنتج جديد للبودكاست أو لمن يفكّر في إنتاج البودكاست، فإنّ هذا الأمر في صالحه، لأنّه سيُعدّ من روّاد المجال، ويمكنه بجهد قليل نسبيًا أن يحقق حضورًا وانتشارًا كبيرًا بسبب الأسبقية، ونصيحتنا هي لو كان لديك خيار ببدء بودكاستك الخاص اليوم وخيار آخر ببدئه غدًا فابدأ به اليوم، لأنّ كلّ يوم يمرّ دون أن تطلق برنامجك سيسبقك شخصٌ آخر ويجعل مهمّتك في الوصول العريض أصعب.
كل الشكر لجهودك