هنية الذي لا يشبه سواه و ما سواه حتماً دونه (1)

هنية الذي لا يشبه سواه..و ما سواه حتماً دونه!
منذ نعومة الأظافر و أنا مغرم جد مغرم بالاستماع إلى خطابات و بيانات القادة و الزعماء و استكناه حقائقها و تمييز غثها من سمينها و الجهد الدؤوب و الشغوف بمحاولات تحليلها سياسياً و إعلامياً بحسب ما توافر يومها من ذائقة و فهم ؛ حد أنني أترك كل متعة و أنحّي كل شاغل و ألغي كل أولوية ؛ فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة!•
أما و إن كل تحليل سليم عماده عمق معرفة و مصادقة واقع و تجرد عقل و اتساق بنية و سياق كما شجاعة قلب و حرية إرادة لا تقيدها أدلجة أو تأسرها مغريات سوى الحقيقة ؛ فإن أكثر ما نحمده فينا كان التجرد و الإرادة الحرة ؛ فقد كنا حين ندأب تحليل خطاب ما نقبل عليه بذات الدرجة من الشراسة المهنية و الصرامة المنهجية و النهم التشريحي !•
و لأول مرة استوعب معاني على شاكلة:" أن الله يعطي أصعب الامتحانات لأنبغ و أقدر خلقه و أضيف : و أنبلهم كذلك" ، و أتذكر كذلك ما قاله أحدهم على أيام محنتي مع الجامعة :"10 شهور و أنت تأتي إلى الجامعة و تهتف بذات الحماس! ، لو كان أي أحد غيرك لاستسلم بمن فيهم أنا؛ لذا أحييك" و ما قالته إحداهن :- "بين جميع الطلاب لم يقع هذا العبء على سواك إلا لأن الله يعلم أنك تستطيع" !
أكتب هذه الكلمات و لا شيء ينبعث من الشاشة و يتراءى لي سوى طيف هنية أبا العبد فأكرموا به إذ هو نعم السيد العبد ! عبودية من قال:" يريدون تركيعنا، و لن نركع إلا لله" !
و طالما أن العطايا على قدر الرزايا فقد رزئ في بنيه و حفدته و تلقى خبرهم بقولته التي قالها بكره عقيب استشهاده:" الله يسهل عليهم ، الله يسهل عليكم " ، و تلقى العزاء بوجه مبتسم و جلد مرتسم كأنما يهزء من قاتليهم و قاتليه فيما بعد؛ لله دره كيف علم الجبل الثبات ؟!

...
لذا على قدر مبلغ جرحه كانت نصال بلاغته تُحمى من براكينها حتى صارت كلماته و قادة حماس و القسام أمضى وقعاً من حسام و ألظى لهيباً من نار مُسعَّرة الضرام!

....
و لأن لي ذائقة شديدة الانتقائية عالية المعايير شكلاً و مضموناً ،إعلاماً و سياسة و مدى انحرافها عن ترمومتر العدالة و القيم و بوصلة القدس كمال الشيم !
أما و قد تربينا على خطب إمام الفصحاء منارة الخطباء شيخ المفوهين د.عبدالحي يوسف و نائبه د..عبدالمحمود يوسف ؛ فلا غرو و لا عجب أن معاييرنا صعبة الارتقاء و اشتراطاتنا صعبة الاجتياز و المعجزة تحقيق الامتياز!

لكن ثمة من ينتزعون الاهتمام و يجتذبون الأفئدة يأسرون الوجدان و يسرقون الآذان و هم الواقفون على خط المقاومة و الممانعة لا المطابعة و المضاجعة! و شتان بين الفريقين شتان !
كتب البعض عن أن الثبات الأسطوري للقطاع و أهله و صبر هنية في فقد أهله و صبر ما تبقى من أهله في فقده لا ينبغي أن يفقدنا قدرتنا على التعاطف و وضع أنفسنا بمكانهم بسبب انتقالنا لحالة الأسطرة التي تفقدنا إنسانيتنا بنزعنا لنوازع إنسانيتهم مع وجود نقيض غربي يبذل كل شيء ليقوم بأنسنة النازيين الجدد !

قلت الذي قلته لأننا نحتاج إعادة قراءة متأنية للفترة الأخيرة من حياته ما بعد السابع من أكتوبر و خصوصاً مراسم عزاء أهله و في الأسبوعين الأخيرين بعدما راجت إشاعات إسرائيلية حول استشهاد محمد الضيف!
أما براعة قادة محور المقاومة و خصوصاً حماس و ذراعها البتار كتائب القسام فنحن الذين كانت نشوتنا الذائقية خطابات الضيف و أبو عبيدة و خالد مشعل و إسماعيل هنية...

أما حسن نصرالله و إلقاءه فمدرسة أخرى ؛ بيد أنني لم أره في خطاب ما كما كان في هذا الخطاب متغيراً صوته بادي الحزن مبديه قليل المحسنات البلاغية مُقِلَّاً في استثارة العواطف متغير الصوت من فرط البكاء نادر التنغيم ؛ ما يدلل على عميق حزنه برفيق دربه فؤاد شكر و نديم التوجه نحو المسرى إسماعيل هنية ؛ لكنه رغم كل ذلك ما بقي منه إلا ثبات المبدأ و عنفوان الأبطال :- " لا نقول أننا سنحتفظ بحق الرد في الزمان و المكان المناسبين ، لا و الله بل نقول أننا سنرد و لا شك ، و على العدو و من خلفه أن ينتظر ردنا"
ثم استطرد بالدارجة اللبنانية يقول :-" البعض يحبو يفلسفوا الأشياء و يقولولك:- حزب الله سيرد رداً شكلياً لا حقيقياً ، نحن الآن ندرس الرد وفق فرص الميدان"

و للغوص بقية

الإعلامي د.مزمل محمد فقيري