لَقَدْ كَانَ لِقَاؤُنَا الْأَوَّلُ فِي الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ سِبْتَمْبَرْ، فِي عِيدِنَا الْوَطَنِيِّ دَخَلْتَ الْمَقْهَى الَّذِي أَصْبَحَ فِيمَا بَعْدُ مُلْتَقَانَا الدَّائِمَ كُنْتَ تَقْرَأُ وَحِيدًا فِي أَحَدِ الْأَرْكَانِ، جَلَسْتُ إِلَى الطَّاوِلَةِ الْمُقَابِلَةِ لَكَ، وَاضِعَةً شِمَاغًا حَوْلَ رَقَبَتِي كَشَالٍ جَذَبَكَ - عَلَى مَا يَبْدُو - الشِّمَاغُ، فَأَطَلْتَ النَّظَرَ إِلَيَّ أَشَرْتَ بِيَدِكَ إِلَى عُنُقِي وَسَأَلْتَنِي بِالْإِنْجِلِيزِيَّةِ وَبِصَوْتٍ عَالٍ: أَتَفْتَقِدِينَ وَطَنًا يَقْمَعُكِ؟ أَجَبْتُكَ بِالْعَرَبِيَّةِ: أَيَفْتَقِدُكَ وَطَنٌ تُخْجَلُ مِنْهُ؟ اِبْتَسَمْتَ: أَنْتِ سَرِيعَةُ الْبَدِيهَةِ! قُلْتُ لَكَ بِلَا مُبَالَاةٍ: وَأَنْتَ جَاحِدٌ تَجَاهَلْتَنِي: كَيْفَ عَرَفْتِ أَنَّنِي عَرَبِيٌّ؟ سَأَلْتَنِي بِالْإِنْجِلِيزِيَّةِ أَشَرْتُ إِلَى الْكِتَابِ الْعَرَبِيِّ الَّذِي كُنْتَ تَقْرَأُهُ، بِدُونِ أَنْ أَنْطِقَ لَمْ أُخْبِرْكَ بِأَنَّ مَلَامِحَكَ عَرَبِيَّةٌ لِلْغَايَةِ قُلْتَ لِي بَعْدَ صَمْتٍ: اِسْمِي عَبْدُ الْعَزِيزِ، كَالْْمُوَحِّدِ وَأَنَا جُمَانَةٌ سَأَلْتَنِي بِاِسْتِفْزَازٍ: كَجِنِّيَّةٍ؟ تَجَاهَلْتُكَ وَتَشَاغَلْتُ بِتَفْتِيشِ حَقِيبَتِي، فَسَأَلْتَنِي: لِمَاذَا تَضَعِينَ شِماغاً، هَلْ أَنْتِ مُسْتَرْجِلَةٌ؟ رَفَعْتُ رَأْسِيَ نَحْوَكَ مُنْدَهِشَةً: نَعَمْ؟! هَلْ أَنْتِ مُسْتَرْجِلَة ؟! سَأَلْتُكَ: وَهَلْ أَبدُو لَكَ كَمُسْتَرْجِلَةٍ؟ قُلْتَ بِبَرَاءةٍ: لَا، لَكِنَّكِ قَدْ تُكَوْنِينَ، وَلِهَذَا أَسْأَلُ كُنْتَ مُسْتَفِزًّا لِي فِي لِقَائِنَا الْأَوَّلِ يَا عَزِيز، كَيْفَ وَرَّطْتُ نَفْسِيْ مَعَ رَجُلٍ يَسْتَفِزُّنِي مُنْذُ اللَّحْظَاتِ الْأولَى كَانَ حِوَارُنَا تَافِهًا لِلَغَايَةِ وَمَعَ إيمَانِيْ بِأَنَّهُ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنَّ تُؤَدِّيَ أَتْفَهُ الْمُقَدِّمَاتِ إِلَى أَخَطَرِ النَّتَائِجِ، كَمَا كَانَ يُؤْمِنُ مُصْطَفَى مَحْمُودُ الَّذِي أُؤْمِنُ بِهِ كَثِيرًا، إِلَّا أَنَّنِي انْسَقْتُ خَلْفَ الْمُقَدِّمَةِ التَّافِهَةِ كَالْْمَسْحُورَةِ، فَلِمَاذَا نَسِيْتُ مَا تَعَلَّمْتُهُ مِنْهُ؟ أَتَدْرِي يَا عَزِيزُ دَائِمًا مَا كُنْتُ مُؤْمِنَةً بِأَنْ لَا خَيْرَ فِي رَجُلٍ يَكْرَهُ وَطَنَهُ فَلِمَاذَا آمَنْتُ بِخَيْرِكَ؟! لِمَاذَا تَجَاهَلْتُ كُلَّ مَا كُنْتُ أُؤْمِنُ بِهِ لَيْلَتَهَا؟! لِمَاذَا يَا عَزِيزُ؟!