تزامن بدء تدريبي لأطفالي على بعض مهارات التعليق البسيط مع دعوة للمشاركة في مشروع يقتضي تعليقا صوتيا لأمٍّ وبنتٍ وصبيّ، فسألت ابني (10 سنوات) وابنتي (7 سنوات) عن رأيهما في أن نجرب قراءة النص معا؟ والذي كان كلمات منفردة لتعليم العربية للأطفال، فرحّبا بالفكرة بشدة وبدأنا التسجيل، لكنني واجهت بعض المشكلات معهما فاستمر العمل على المشروع ثلاثة إلى خمسة أيام، فقد كانت التجربة الأولى لهم، والتي اعتقدت أنا، وهم، بأنها ستكون سهلة وستنتهي في دقائق، وأنه عليهم فقط أن يكرروا ما أقوله.
المشكلات التي ستواجهها عند تدريب الاطفال علي التعليق الصوتي:
أولاً: حذف بعض الحروف أثناء الكلام:
عند التدقيق في طريقة تكلم الأطفال، غالباً نرى أنهم لا يلفظون كل الحروف بشكل واضح، وهذا ليس ناتجاً عن عدم قدرتهم على ذلك، لكنه من التعود على الحديث بعفوية وسرعة لمجرد إيصال الرسالة التي يودون إيصالها للمستمع، بغض النظر عن وجوب لفظ كل حرف في الكلمة بشكل كامل وصحيح أم لا، ومع التمرن على هذه النقطة صار ابني ينتبه بنفسه إلى هذا الأمر ويكرر الجملة التي أخطأ فيها دون أن أطلب منه ذلك، وابنتي تنتبه أحياناً لكن ليس كل مرة، وهذا بحاجة للتمرين المستمر حتى خارج جلسة التسجيل، كما يجب الانتباه إلى مخارج الحروف السليمة لدى الأطفال، كالـ ق، ك، ج، ذ، ظ، ليتعلموا لفظها بالطريقة العربية الصحيحة دون تأثير اللهجة العامية عليها.
ثانياً: نبرة الصوت وقفلة الجملة في الأسئلة وفي الجمل الخبرية:
نعلم بأن نبرة الصوت في السؤال يجب أن تكون نبرة استفهامية، كما أن قفلة كل جملة تختلف حسب مضمونها، فالجملة الخبرية تختلف عن الجملة التي تعبر عن الاندهاش وكذلك عن الإجابة على السؤال، والأسئلة أيضاً تختلف فيها نبرة الصوت، فالأسئلة الاستفهامية تختلف عن أسئلة (نعم أو لا)، والجمل التعبيرية أيضاً لها نمطٌ آخر في طريقة إلقائها.
في معظم الأحيان يكون النص عبارة عن حوار بين شخصين، فيجب أن تكون القراءة تعبيرية وليست مجرد سرد لنص مكتوب أمامه، لذلك كنت أشرح له كيف نريد أن تكون هذه الجمل قبل بدء التسجيل وما هو الموقف الموجود لدينا، إن كان موقفاً حزيناً أو سعيداً أو مندهشاً أو تمثيلياً أو تعليمياً، أو كان غير ذلك، لتتم عملية التسجيل بسلاسة ودون مقاطعة قدر الإمكان، ومع ذلك كنت أعيد بعض النقاط أثناء التسجيل.
ثالثاً: عدم القدرة على حفظ الجمل الطويلة بسرعة:
من المهم أن تتم قراءة النص عدة مرات قبل التسجيل، ومع ذلك ولأن معظم الأطفال تحت سن السابعة أو الثامنة لا يستطيعون القراءة بسرعة، أو بسرعة طبيعية كما يحتاج النص، لذلك كنت أقرأ لابنتي كل جملة بالنبرة المطلوبة فتكرر هي من بعدي، وفي بعض الأحيان قد تكون الجملة طويلة لدرجة أنها تنسى الجزء الأول منها بعد أن أنتهي أنا من قراءتها، فما أقوم به هنا هو أنني أقرأ لها جزءاً من الجملة بالنرة المطلوبة حتى أصل لكلمة فيها حرف التاء أو الكاف، ثم تعيد هي من بعدي، ثم أكمل الجملة "بالنبرة المطلوبة لهذا الجزء من الجملة".
لكنني أبدأ من الكلمة السابقة للكلمة التي تحتوي على التاء أو الكاف، بشرط أن تكون النبرة متطابقة في كلتا المرتين، وتعيد هي من بعدي، ثم ننتقل للجملة التي تليها، ويكمن السر هنا في أنني عند العمل في مونتاج الملف الصوتي بعد انتهاء التسجيل، أصل جزئي الجملة معا من مكان حرف التاء أو الكاف، فتبدو الجملة وكأنها قيلت مرة واحدة، لا تخبروا أحداً بهذا، فهو سرٌّ بيننا فقط.
رابعاً: كثرة الحركة وإصدار الضوضاء والأصوات المزعجة:
هذه النقطة كانت مزعجة جداً بالنسبة لي، وكنا نضطر لتكرار العديد من الجمل السليمة في البداية، فالأطفال بطبيعة الحال لا يستطيعون الثبات في جلستهم لفترة طويلة، مما يجعلهم يتحركون باستمرار ويصدرون أصواتاً بأفواههم أو يحركون أيديهم على سطح المكتب أو المقعد، أو يلمسون أغراض المكتب فتصدر صوتاً وهكذا، ولأن المايكروفون حساس جداً لهذه الأصوات فهو يسجلها فتختلط بالكلام، مما يتلف المادة الصوتية.
كنت قبل الجلسة أنبههما لهذه النقطة جيداً وأفهمهما بأن هذه الأصوات ستسجل وسنضطر للإعادة، بالإضافة إلى محاولتي إبعاد كل ما يمكن أن يتسبب في الإزعاج عن مكان التسجيل، ومع الوقت صارا ينتبهان أكثر لهذا الأمر، ويحاولان الحفاظ على الهدوء قدر الإمكان أثناء جلسة التسجيل.
خامساً: المسافة بين الطفل والمايكروفون:
بداية، يجب أن تكون جلسة الطفل مريحة والمايكروفون على بعد مناسب من فمه يقدّر بـ 30-40 سم أعتقد بأنه بعدٌ مناسب لمنع نفث الهواء في المايكروفون أثناء الكلام، وكذلك للحفاظ على مستوى معين من شدة الصوت، ومن المهم أيضاً أن يكون المايك ثابتاً على الطاولة، وليس محمولاً بيد الطفل أو من يعمل معه، ويفضل أن يعلم الطفل أن عليه عدم لمس المايكروفون لأنه سيصدر أصواتاً مزعجة وسوف يتم تسجيلها ولن نتمكن من إزالتها، وحينها سنضطر إلى إعادة التسجيل.
سادساً: الملل من الجلسات الطويلة:
بعض الأطفال يشعرون بالملل بسرعة، أو يملون من الجلسات الطويلة أثناء العمل، لذلك يفضل في البداية أن تكون الجلسات قصيرة إلى حد ما، أقل من نصف ساعة، حتى يعتاد الطفل على الأمر، وحتى لا تتغير نبرة صوت الطفل من بداية التسجيل إلى نهايته، سيبدو صوته متعباً في النهاية وسيظهر ذلك واضحا في التسجيل، ومن الجيد جداً مكافأة الطفل بعد كل جلسة والثناء عليه وعلى المجهود الذي قام به، حتى يتحمس للقيام بالمزيد من الجلسات مستقبلاً، كما أن من المهم أن يسمع الطفل النسخة النهائية من الملف الصوتي الذي عمل عليه، وللملف الأصلي الذي يحتوي على أخطاء لنقارن بينهما فينتبه للفرق ليحسن من أدائه في المرة القادمة.
سابعاً: عند التعديل على مقطع معين بعد الانتهاء من التسجيل:
أحياناً يطلب العميل تعديل مقطعٍ معين من التسجيل، لكن باقي الملف يعجبه ولا يريد تغييره، في هذه الحالة يجب أن تدع الطفل يستمع للمقطع الأصلي عدة مرات ليحاول تقليد نبرته أو شدة صوته قبل التسجيل، حتى لا يختلف هذا المقطع الجديد عن بقية الملف الصوتي الأصلي، وإلا فإن المقطع الجديد سيبدو ظاهراً وواضحاً بأنه قد تمت إضافته للمقطع الأصلي، وأن الصوت فيه مختلف عن بقية المقاطع، ومن الجيد أيضا في هذه الحالة أن يكرر المقطع عدة مرات لتختار من بيها المقطع الأقرب إلى الملف الأصلي.
ثامناً: التسجيل بالسرعة المطلوبة:
في كثير من الأحيان يكون التعليق الصوتي بهدف إضافته فيما بعد إلى فيديو معين، أحياناً يكون الفيديو جاهزاً والنص مكتوباً وعلينا تسجيل النص بتوقيت مناسب لتوقيت الفيديو، وفي معظم الأحيان تكون الجمل أطول من أن يكفيها وقت الفيديو، على الطفل أن يكون قادراً على التعليق بسرعة إن اقتضى الأمر، بحروف صحيحة وكلمات كاملة وواضحة، فإن لم يتمكن من ذلك فيجب تعديل النص، لذلك، من المهم جداً الحديث مع العميل في هذه التفاصيل أثناء الاتفاق على المشروع، فهذا أمر مرهق للطفل، ولن تكون النتيجة جيدة إلا إن كان الطفل يتحدث بأريحية، وعلى كل حال، يفضل تسجيل النص قبل تصميم الفيديو في كثير من الأحيان، ويبقى تعديل النص أسهل من تعديل الفيديو فيما بعد، فيمكننا مثلاً أن نختصر النص قليلاً مع الاتفاق مع العميل بالطبع لتتسع الجمل لتوقيت الفيديو إن كان جاهزاً.
تاسعاً: تأثير اللهجة في لفظ بعض الحروف العربية.
في أيامنا هذه نرى أن الكثير من برامج الكرتون تحتوي على تعليق صوتي باللهجات المحلية، وهو برأيي أمرٌ مؤسف، لأنه لا يزود الأطفال باللغة العربية الصحيحة، ومع أنها تهدف في بعض الأحيان إلى توطيد تعلق الأطفال بلهجاتهم الأصلية، إلى أنها من أكثر ما يتابعه الأطفال، كما أن الكثير من الأهل يركزون على تعليم أطفالهم اللغات الأخرى كالإنجليزية والفرنسية على حساب اللغة العربية الفصحى، وكل هذا يسبب ضعفاً لدى الأطفال في التعبير عن أفكارهم بلغة عربية صحيحة، بقواعد نحوية صحيحة، كما أنه يغير لفظ الكثير من الحروف التي تميز لغتنا كالقاف والضاد وحتى العين والحاء، وقد قرأت بأن تعلم الطفل لقراءة القرآن بتجويد تساعد في حل هذه المشكلات إلى حد كبير لدى الأطفال.
وأخيراً، حاول أن تفسح المجال لطفلك ليختار ما يحب أن يقوم به، ولا تحاول أبداً إرغامه على احتراف التعليق الصوتي ما لم يرغب هو بذلك لمجرد أنك تريده أن يكون محترفاً في هذا المجال، أولادي الكبار مثلاً لم يوافقوا على أي عرض في هذا المجال، فأحياناً ترسل إلي أعمالٌ تستدعي صوت فتى مراهق أو شاب صغير، وأسألهم ولا يوافقون، أما الصغار فقد رحبوا بالفكرة منذ البداية، وحتى قبل أن أعرضها عليهم، عدا عن أنهم يطالبون بحصتهم من الأرباح من وقتٍ لآخر.
علمهم من وقت لآخر كيف يبدو الملف الصوتي على برامج التحرير، وكيف تعدل عليه وتأكد من أن يستمعوا للنتيجة النهائية قبل التسليم، واطلب رأيهم في أعمالك، فربما كانت لديهم إضافة أو رغبة في تغيير شيء ما قد يفيدك، واعمل دوماً على إطلاعه على ما تقرأه أو تجده حول مهنة التعليق الصوتي من أجهزة تسجيل حديثة وما إلى ذلك، ولا مانع من أن يحتفظ بجهاز خاص به يجرب فيه أداءه باستخدام حاسوبه في أوقات الفراغ، فهذا مفيد جداً ويكسبه خبرة في هذا المجال.
كذلك يجب أن لا يسعى الطفل لنيل شهرة ما من وراء التعليق الصوتي، فهذا برأيي ليس أمراً جيداً، فلا داعي للتباهي بذلك كلما اجتمعتم بالآخرين، دعه يعيش طفولته بعفوية ليقرر فيما بعد ما ينوي أن يفعل بموهبته، والتي ربما تكون مجرد هواية يمارسها ويستفيد منها من وقت لآخر، إلى جانب مهنة أخرى يحلم باحترافها عندما يكبر.
أتمنى أن أكون قد وفقت في عرض تجربتي عليكم، وإن كانت هناك أي ملاحظات أو استفسارات سأجيب عليها بكل سرور في التعليقات، أشكر لكم طيب المتابعة، وأهلا وسهلا بكم.
أعتقد أن التعليق الصوتي للأطفال يساعدهم في تمكين لغتهم العربية الفصحى والتمييز بينها وبين اللهجات المحلية
كمان أن عرض النتيجة النهائية على الطفل وجعله يشعر بالانجاز يحفزه أكثر على المحاولة في مرات لاحقة
واتفق مع فكرة أن نسمح لأطفالنا بأن يختاروا ما يحبوه
كل الشكر على المقالة الرائعة
وأود ان أضيف نقطة هي : تهيئة الجو المناسب للتسجيل والوقت المناسب له . فلا يجب سحب الطفل من استمتاعه باللعب مع قرنائه او إخوانه ليقوم بالتسجيل رغما عنه , فكلما كان الطفل مقتنع بالذي يعمله , أكب عليه بحب وحرص .
دعوة الطفل ليشاهد أثر عمله نقطة ايجابية ممتازة للتحفيز وخصوصا بين الاهل .
نقطة مهمة بالنسبة لتسجيلات الطفل : دعوه يسجل المادة التي يرغبها والروايات والقصص التي أحبها وسبق له مرارا قرائتها .
وعليه فإن تعويد الطفل على القراءة منذ الصغر ودعم وتشجيع تعلقه بالكتاب من اهم خطوات تسهيل إدماجة في مجال التسجيل
وبالمثل فإن تعلق الطفل بالتسجل الصوتي .. سيزداد قربا من الكتاب وحب القراءة
كل التوفيق.